ووالله ماتقرب إلى الله بعمل في الدعوة أعظم من أن تعظم الله في قلوب عباده، ماتقرب إلى الله في الدعوة بعمل أعظم من أن تعظم الله في قلوب عباده . لايكن همك حديث الناس عنك، المهم أن يعظم الله في قلوب عباده. وماقضى أنبياء الله ورسله حياتهم، وأيامهم، وأعمارهم، إلا في التعريف بربهم وتعظيم منزلته وجلاله في القلوب. {مالكم لاترجون لله وقــــــــارا وقد خلقكم أطوارا، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيــــــــــــــــــــم}.
وكل الأنبياء على هذا المنهج وهذا الهدي، أن يعظم الله في القلوب، أن يكون همك أن تكون المجالس يعظم _جل جلاله_ فيها، ومن أراد أن يمتحن منزلته في الإيمان فليرى نفسه إذا عظم الرحمن،فإذا كان الإنسان يفرح إذا عظم الله هذا دليل على قرب منزلة، وجليل مكانة؛ لإن الله قال عن من عاداه: { وإذا ذكر الله وحده إشمأزت قلوب اللذين لايؤمنون بالآخرة، وإذا ذكراللذين من دونه إذا هم يستبشرون} هذا حال من عصى الله، حال من ليس بينه وبين الله صلة. لكن حال المؤمنين لاتفرح قلوبهم بشيئ ، ولاتطمئن إلى أمر ولاتسكن إلى حال أعظم من يعظم الكبير المتعال. الله عظيم وله على عباده النعم السابغة والحجة البالغة، فمن كان آتاه الله شيئا من هذا فلاشيئ أنفع له من أن يعظم الله _جل وعلا_ في قلوب عباده، فينال أجر تعظيمهم لله تبارك وتعالى، هذا الهدى الذي يهدى إليه، هذا الطريق الذي يدعى إليه، هذا الذي فيه قضى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم حياتهم ، في حديث ابن عباس عند البخاري: "إن موسى _عليه السلام_ قام خطيبا في بني اسرائيل، حتى إذا ذرفت العيون ووجلت القلوب، تبعه رجل من بني اسرائيل"، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ في حديث العرباض ابن سارية قال: ( وعظنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، قلنا يارسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا: ...)) وأتم الحــــــــــــــديث.
والغاية أن القلوب إذا ذكر الله تجل وتذرف وتزداد تعلقا به وإعظاما له . إن لم يشغل القلب بهذا بأي شيء يشغل ؟ بأحاديث الناس، بكلامهــــــــــــم، بأموالهم، بغدوهم ورواحهم، هذا لاإنفكاك منه، محال أن يخلوا منه مجلس كلنا نصنعـــــــــــــه.
لكن لابد للمرء من أحوال إن لم يجدها عند الخلق استأنس بالله لوحده، كانت له خلوات يذكر الله جل وعلا فيها، إن لم يقدر عليها في كل مجلس فلابد أن يخلوا مع ربه في ليله، فيعظم الله ويشعر بأن قلبه مقرب من ربه تبارك وتعالى، والله جل وعلا أنزل هذا الكتاب نورا وهدى وموعظة وشفاء وجعل لبعض عباده حظا منه يقومون به في الليل يناجون به ربهم وجاء في الحديث : ((أن ربك يعجب ويضحك إلى رجل في سفر كان النوم أعظم مفروح به له ولرفقته ، فلما ناموا قام وتوضأ، وأخذ يناجي الله بكلامه مع أنه كان ماأحوجه إلى الراحة وماأفقره إلى مايجلي تعبه ، لكنه أراد بذالك أن يناجي ربه ، لم يطب قلبه ولم يسترح بدنه أن ينام على فراش وثير ، ولم يتلوا بعدشيئا من كلام العلي الكبير ))