بسم الله.. والحمدلله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
قال -تعالى-: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].
أيُّها المسلمون:
يوم (عاشوراء) هو اليوم العاشر من محرم.. وهو يوم علَّمنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم- العمل الَّذى ينبغي علينا فعله فيه، لنيل مرضاة الله –تعالى وهو (الصيام).. وكذالك أمر النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بمخالفة اليهود بصيام يوم قبله فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لئن بقيت إلى قابل -أي السَّنة القادمة- لأصومنَّ التَّاسع» [رواه مسلم 1134].
فائدة: سُمِّي عاشوراء: لأنَّه اليوم الَّذي يقع في العاشر منَ الشَّهر، كأن يقال، تاسوعاء: أي اليوم الَّذي يقع في التَّاسع من أيِّ شهرٍ، ثاموناء: أي اليوم الَّذي يقع في الثَّامن من أيِّ شهرٍ.. وهكذا..
أيُّها الأحبَّة:
رددنا منذ سنوات.. ولا زلنا نردد.. بأنَّ يوم عاشوراء: يوم الفرح والسَّرَّاء.. وليس يوم حزن والبكاء.. وإنَّنا نؤكد على صحَّة هذه العبارة.. ذلك أنَّنا نملك عليها دليلًا: صحيحًا.. قاطعًا.. من حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «قدم النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه [متفقٌ عليه].
وفي بعض الرِّوايات أنَّ موسى -صلَّى الله عليه وسلَّم- صامه شكرًا لله -تعالى-.
إذًا يوم عاشوراء هو:
أوَّلًا: يوم الفرح والسَّرَّاء والشُّكر لله -تعالى-..
ألم يقل النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن المؤمن: «إن أصابته سرَّاء شكر» [رواه مسلم 2999].
ثانيًا: يومٌ صالحٌ..
وإذا لم يفرح الإنسان بالأيَّام الصَّالحة قمتي يفرح إذًا..؟؟
ثالثًا: حصلت فيه نعمةٌ عظيمةٌ لنبيِّنا موسى -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهي نجاته، ونجاة قومه.. وإغراق عدوه فرعون وجنده.. فهي ذكرى سعيدة..
ثمَّ أليس الإنسان عندما يتذكر نجاة من يحبّ فإنَّه يكون: مسرورًا وفرحًا..!!؟؟ وهل رأيت -أخي الحبيب- إنسانًا، يشكر ربَّه على نعمه أنعمها عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- يشكرها وهو غضبانٌ..!! أو حزينٌ..!! فالشاكر الحامد (على النِّعمة) مسرورٌ.. وفرحانٌ.. ولابد..
رابعًا: رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فرح بهذا اليوم الصَّالح.. وعبَّر عن فرحته بالصِّيام -كما في سننه وعادته صلَّى الله عليه وسلَّم- وأمر أصحابه والمسلمين جميعًا بالفرح..
وأن يعبروا عن فرحهم بالصِّيام، مع مخالف اليهود.
خامسًا: كلُّ علماء المسلمين قالوا.. بأنَّ يوم عاشوراء: يوم الفرح والسَّرَّاء.. وليس يوم الحزن والبكاء.. لأنَّهم كلَّهم قالوا: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي". وكلُّ الأحاديث الَّتي استدللنا بها صحيحةٌ.. بفضل الله -تعالى-.
فائدةٌ: معجزةٌ قرآنيةٌ.. وحقيقةٌ تاريخيةٌ عظيمةٌ.. حدثت في يوم عاشوراء.
أيُّها الأحبَّة: اعلموا أنَّ صيام يوم عاشوراء إنَّما كان شكرًا لله -تعالى- على نجاة بنى إسرائيل، وإغراق عدو الله (فرعون).. وفرعون هو لقب ملوك مصر الَّذين كانوا في عهد موسي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مثل لقب: الملك ..الأمير.. والرَّئيس.. وغيرها من الألقاب.. وفي عام 1981 شُكِّلت لجنةٌ طبِّيَّةٌ؛ لدراسة إحدى المومياءات الفرعونيَّة المصرية (والمومياء هي الجثث المُحنَّطة)، برئاسة الطَّبيب الفرنسي موريس بوكاي، وخَلُصَت الدِّراسة إلى أنَّ تلك المومياء الَّتي أُجري البحث العلمي عليها تعود لرجل مات غرقًا..!! وليس موتًا طبيعيًّا كما كان يعتقد..ََََ!!
وقد ذهل الطَّبيب الفرنسي عندما علم أنَّ القرآن الكريم يخبر عن أحد الفراعنة أنَّه مات غرقًا.. وأنَّه محفوظٌ من أجل العبرة الاتعاظ..!!
ممَّا يؤكد أنَّ هذه الجثَّة تعود لذالك الفرعون ذاته، الَّذي أغرقه الله -تعالى- وجاء ذكره في القرآن الكريم..!! ممَّا أدَّى إلى إسلام الطَّبيب الفرنسي..!!
الله أكبر.. وصدق الله العظيم إذ يقول:
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92].
ملامح فرعون واضحة تمامًا لتتحقَّق المعجزة القرآنيَّة..ََ!! رغم مرور ثلاث آلاف سنة..!! الله أكبر..
ملاحظة: لاحظ أخي الحبيب: حتَّى شعر الرَّأس.. والحواجب.. لازال في مكانه الطَّبيعي..!! وكذا الشَّرايين..!! والأظافر..!! حقًّا إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ..
يوم عاشوراء: يوافق ذكرى استشهاد الحسين -رضي الله عنه-..
فما هو الموقف الحق من: مقتله -رضي الله عنه-..!!
قال ابن كثير-رحمه الله-: "فكلِّ مسلمٍ ينبغي أن يحزنه قتل الحسين -رضي الله عنه- فإنَّه من سادات المسلمين، وعلماء الصَّحابة وابن بنت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، الَّتي هي أفضل بناته، وقد كان عابدًا وسخيًّا ولكن لا يحسن (أي يحرم) ما يفعله الناس من إظهار: الجزع والحزن: الَّذي لعلَّ أكثر تصنُّعًا ورياءً وقد كان أبوه أفضل منه فقُتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتمًا كيوم مقتل الحسين فإنَّ أباه قُتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السَّابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذالك عثمان كان أفضل من على عند أهل السُّنَّة والجماعة، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التَّشريق من شهر ذي الحجّة سنة ست وثلاثون نوقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ النَّاس يوم قتله مأتمًا، وكذلك عمر ابن الخطاب في المحراب في صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ النَّاس يوم قتلة مأتمًا، وكذالك الصِّديق كان أفضل منه ولم يتخذ النَّاس يوم وفاته مأتمًا -رضي الله عنهم أجمعين-، ورسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- سيِّد ولد آدم في الدُّنيا والآخرة وقد قبضة الله إليه كما مات الأنبياء قبله (-صلوات الله تعالى وسلامه عليهم- ولم يتخذ أحدًا يوم وموتهم مأتمًا.." انتهى.
موقف المسلمين من ذكرى: استشهاد الحسين -رضي الله عنه-
أيُّها المسلمون: كلنا نحزن لمقتل الحسين ومن معه -رضي الله عنهم- والحسين قتل مظلومًا وما كان ينبغي أن يقتل، ولكنَّه قدر الله، وقد قتل ووقعت الفاجعة والمصيبة العظيمة، فماذا يجب علينا أن نفعل..؟؟
لو كنَّا في زمانه لكان لزامًا علينا أن نطالب بإنزال القصاص العادل فيمن نفذوا تلك الجريمة النَّكراء، أمَّا أننا بعد تلك الحادثة بأكثر من ثلاثة عشر قرنًا فالواجب علينا هو أن لا نرضى بمقتله، وأن نسترجع قائلين (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون)، ولا يجوز أن نحمل إثم هذه الجريمة لغير من نفذوها قال -تعالى-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [فاطر: 18].
أيُّها الأحبَّة: يجب على كلِّ مسلمٍ أن يعلم الحقائق التَّالية.. فيما يتعلق باستشهاد الحسين -رضي الله عنه-:
أوَّلًا: الحسين -رضي الله عنه- مات شهيدًا.. وما أعظم ما أعدَّ الله -عزَّ وجلَّ- للشُّهداء من ثوابٍ وكرامةٍ.. قال -تعالى-: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿169﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: 169-170].
فالله -تعالى- أخبر عنِ الشُّهداء بأنَّهم :فرحون.. فرحون.. أفلا نفرح لفرحهم ..!!؟؟ أفلا نفرح لفرحهم..!!؟؟
ثانيًا: استشهاد الحسين -رضي الله عنه- في يوم عاشوراء.. لا يغيِّر.. ولا ينسخ.. حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-..!! بل يبقي عاشوراء يومٌ صالحٌ..
رضي من رضي..!! وسخط من سخط..!!
تنبيهٌ: ولوتصوَّرنا أنَّ أحدًا من الصَّحابة -رضي الله عنهم- استشهد في يوم عيد الفطر أوِ النَّحر.. -وبالتَّأكيد وقع ذالك،كما وقع لأمير المؤمنين عثمان ابن عفان رضي الله عنه- فهل يسوِّغ للمسلمين أن يحولوا يوم العيد الَّذى نصَّ الله -تعالى- عليه صراحة بأنَّه: عيدٌ للمسلمين....هل يسوِّغ لهم أن يحولوه إلى حزنٍ..!!؟؟ لأنَّ صحابيًّا استشهد فيه...!!؟؟
(مع حفظنا الشَّديد لمكانة الصَّحابة -رضي الله عنهم- في قلوبنا).
ثالثًا: لا يجوز اللطم والنِّياحة:
لا يجوز لمن يخاف الله –عزَّ وجلَّ- إذا تذكَّر استشهاد الحسين ومن معه -رضي الله عنهم-، أن يقوم بلطم الخدود، وشقِّ الجيوب، والدَّعوى بدعوى الجاهلية، قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ليس منَّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» [متفقٌ عليه].
وقال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: "أنا بريءٌ ممَّن برىء منه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، إن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّ-م بريءٌ من الصَّالقة، والحالقة، والشاقة" [متفقٌ عليه].
والصَّالقة هي الَّتي يصيح بصوتٍ عالٍ مرتفعٍ عند المصيبة، وكذا الحالقة الَّتي تحلق شعرها، والشَّاقَّة الَّتي تشقُّ ثوبها.. وقال –أيضًا صلَّى الله عليه وسلَّم-: «النَّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» [رواه مسلم 934].
وقال -أيضًا عليه الصَّلاة والسَّلام-: «لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميتٍ فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» [متفقٌ عليه].
رابعًا: موقف آل البيت الكرام -رضي الله عنهم- من ذكرى كربلاء:
أيُّها الأحبَّة: ما عرف عن آل البيت الكرام، ولا عن غيرهم من أئمَّة الهدى -رحمهم الله تعالى- أنَّهم لطموا أو شقَّوا أو صاحوا -وحاشاهم أن يفعلوا ذالك في هذه الذِّكرى- فما علم أنَّ عليًّا بن الحسين أو ابنه محمدًا أو ابنه جعفر أو موسي بن جعفر أنهم فعلوا ذلك.. فهؤلاء هم قدوتنا -رحمهم الله تعالى-.
تنبيهٌ: كثيرٌ من المسلمين يظنُّ أن ترك الكلام عن هذه البدع (المنكرات التي تحدث في عاشوراء) يظنُّ أنَّ تركه أولى.. درء للمفاسد..!! والجواب على ذلك هو: أنَّ الاستدلال بهذه القاعدة، استدلال في غير محلِّه، ذلك أنَّها تعمل عندما يكون التَّرجيح بين المتساويات.. فَيُقدَّم الدَّرء على الجلب.. وأمَّا عندما يكون الكلام عن البدعة والسُّنَّة.. فالبدعة تحارب.. والسُّنَّة هي الحقّ الَّذي لابدّ منه.. ولا محيد عنه.. ثمَّ لماذا يطالب أهل الحقّ بالتَّنازل عن حقِّهم لصالح أهل الباطل..!!؟؟
ولماذا لا يطالب بتغيير الباطل وتركه..؟؟ وهذا هو الصَّواب..!!
وأخيرًا: نصيحةٌ.. ونداء:
أوَّلًا: نهيب بأولئك البسطاء الَّذين نشأوا متأثرين: بآبائهم.. وأمَّهاتهم.. ومجتمعهم.. ومحيطهم الَّذي تربوا فيه.. أن يحكموا على هذه القضية: بعقلٍ.. ورويةٍ.. وحريةٍ..
على هدى كتاب الله -تعالى-.. وسنَّة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فهي أخطر قضية في حياة مسلمٍ...-لأنَّها قضية الدِّين- وهم مسئولون عنها يوم القيامة.. فانتبهوا.. وتداركوا.. واحذروا..
ثانيًا: نهيب بالَّذين يعرفون الحقيقة منهم أن ينصحوا: عوامهم.. وبسطاءهم.. ويوجههم إلي: الحقِّ والصَّواب.. ويأمروهم بالمعروف ..وينهوهم عن المنكرات الَّتي يفعلها البعض منهم..!! حتَّى ينالوا الأجر العظيم من ذلك.. فقد أخذ العهد على أهل العلم أن يبيِّنوا: الحقَّ.. والدِّين للنَّاس.. ولا يشتروا به ثمنًا قليلًا.. وإلا حملوا وزرهم.. وأوزار مع أوزارهم..!!
نسأل الله -تعالى- أن يهدينا والمسلمين جميعًا إلى سواء السَّبيل.. إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
ألا هل بلغت.. اللهمَّ فاشهد..